فواز عموش المطيري
مُخطط حَضري
و ناشط في القضية الاسكانية
معركة أسترداد القطاع السكني
انطلاقًا من الواقع الاسكاني الجديد و الذي استمد تحوله الملحوظ من الخطوات البرلمانية الجريئة المتمثلة بعدد من القوانين و الاجراءات الاصلاحية يمكننا ان نتفائل بمستقبل اسكاني افضل قياساً بما كان عليه الواقع المتدهور و تحديداً بالسنوات الخمس الماضية هذا التحول الذي باتت ملامحة واضحة للجميع و حيث من المتوقع أن تتضح هذه الملامح التصحيحية للأسعار خلال الربع الثاني و الثالث من هذا العام
و بالاضافة للتصحيح السعري لاسعار العقار في القطاع السكني
فإن ثمة ملاحظة ذات مدلول اتوقع ان نشهدها بما يخص مدة انتظار الطلب السكني
و ان كنت هنا اقصد التقدم لطلب التخصيص
على المخطط ،
فمن المنتظر ان تتقلص مدة الانتظار في قوائم الطلبات إلى مالا يزيد عن 16 سنة خلال هذا العام 2024
بعد ان تجاوزت المدد ما يزيد عن 25 سنة
و هي مدة تتجاوز مرحلة الذروة و الاحتياج المُلح للسكن و تصل بها دورة حياة الاسرة الى تقلص
الحاجة بعد ان كانت في أوج معاناتها .
و لايمكن لنا و لكل متتبع لتطورات الازمة الاسكانية
ان يغفل بارقة الأمل المهمة هنا
و المتمثلة بإقرار قانون انشاء شركات اعمار المدن
و الذي نأمل أن لا تمارس معه البيروقراطية أبطئ
ما في جعبتها
حيث من المتوقع ان توفر كل مدينة اسكانية
يتم انجازها من خلال هذا القانون المنتظر
ما لا يقل عن 50 الف وحدة سكنية
الغالبية منها وفق انماط سكنية جاهزة
و هذا العدد ليس بالعدد الهيّن و لم يسبق له مثيل في تاريخ التوزيعات السكنية
حيث تغطي كل مدينة لوحدها مالا يقل عن 50 %
من عدد الطلبات السكنية القائمة حالياً .
و هذا التأثير الكبير على اعداد الطلبات السكنية
سينسحب بكل تأكيد
على القيمة الاستثمارية للعقارات المؤجرة
و بالتالي على قيمة العقار السكني
و في ذهنية الجهات المعنية التوسع في هذا التحول السكني ليشمل تنفيذه على ثلاث مدن مرتقبة
و هي مدينة الصابرية و مدينة نواف الاحمد
و مدينة الخيران
ولا نغفل هنا اهمية العامل الزمني لانجاز أولى هذه المدن
و لا اهمية التقارب بين تنفيذ بقية المدن المشار إليها .
و رغم ضخامة و أهمية هذا المشروع و أثره الكبير
على خفض اعداد الطلبات السكنية
و على توازن اسعار العقار مما يجعل من السوق العقاري القائم رافد إضافي للحصول على الوحدات السكنية ،
و لكن يبقى السؤال الأهم عن مستقبل البعد الاستراتيجي لاستدامة توفير الرعاية السكنية للأجيال القادمة :
هل يمكننا الركون لعقود قادمة على التوزيعات الجديدة في كل مرة ؟
و هل هذا المسلك الوحيد لدينا هو كذلك
يمثل المسلك السكني الوحيد في بقية دول العالم ؟
لابد ان ندرك و نعي بأن الرافد الأول لتوفير الرعاية السكنية في معظم دول العالم
يتمثل فيما يوفره السوق العقاري القائم
و المدعوم بالرقابة و الضبط و عناية اجهزة الدولة
ليقين الحكومات بأهمية و حساسية هذا القطاع
و هذا ما يفتقر بشدة إليه سوق القطاع السكني في الكويت من مظاهر صارخة بالعبث و المضاربة
و الاحتكار و همجيّة عمليات الوساطة بكل تفاصيلها
حتى بات هذا القطاع الرعوي و الملاذ الأمن للأسر
سوق سوداء كبيرة لمضاعفة رؤوس الاموال
متوشحاً بالغطاء الرسمي .
و هذا النفوذ التجاري الجامح على السوق العقاري
تعدى إلى أبعاد خطيرة
لا تشبه في مسلكها إلا اعمال العصابات التجارية المنظمة ،
فالشواهد باتت كثيرة في تعمد الجهات الحكومية المعنية لتعطيل مسار توزيع و انشاء المدن الاسكانية الجديدة
ابتداءاً من إنكار و جود الاراضي المناسبة
و ادعاءات و جود المعوقات المصطنعة
و التضخيم من خطورة المساس بهذه الأراضي
مروراً بماراثون انجاز البنية التحتية و ما يصاحبه
من كوارث فنية و بيروقراطية
و انتهاءاً بإغفال استكمال الخدمات اللازمة للمناطق
و في نفس هذا السياق و اهمية توازن اسعار الوحدات السكنية ،
لابد من وقفة تساؤل عن أسباب ارتفاع تكلفة أعمال البناء و تحديد مكامن الخلل و أسباب الفجوة الكبيرة
بين تكلفة البناء محلياً و مثيلها في دول الجوار الخليجي
فمن غير المنطقي ابداً ان تزيد تكلفة بناء
" الهيكل الاسود " فقط
عن سعر عرض بيع فيلا جاهزة في اقرب الدول المحيطة ❗️
بكل تفاصيل تكاليف تلك الفلل من قيمة الارض
و بناء الهيكل الاسود و التشطيب و الضريبة .
معالجة هذا الفارق المدهش و النظر في مسبباته يُعد من أهم أولويات الجهات المعنية
و على رأسها وزارة التجارة والصناعة
فمن غير المعقول و لا المنطقي
السكوت عن مثل هذه الفوارق الضخمة
لا سيما و المواطنين يعانون من ازمة سكن
و من ارتفاع في اسعار المساكن
يقل نظيرها حول دول العالم .
فلا يعقل ان مواد البناء المستوردة او المنتجة في الدول الخليجية المجاورة
لا تتوفر بأسعار مماثلة أو قريبة من ذلك في السوق المحلي
ولا يعقل كذلك ان تكون تكلفة الأيدي العاملة في الكويت البلد الصغير و الذي يتجاوز فيه الوافدون
ثلاث اضعاف تعداد المواطنون
نظرائهم في بلدان مجاورة يقطعون يومياً عشرات الكيلو مترات لإنجاز اعمالهم الانشائية .
و مما سبق نكرر بأن هذه القضية المتفاقمة و الحساسة و المُلحة تتعرض للإهمال و التجاهل
إن لم نقل التواطؤ .
و أخيراً لابد أن نعي جميعًا بأن اصلاح القضية الاسكانية
ينطلق من استرداد القطاع السكني من براثن الإقطاع
و الاحتكار و المتاجرة
وعبث المكاتب العقارية والتي اثبتت تجردها
من المهنية و المهارة ،
فلا سبيل لنا نحو معالجة جذور هذه الأزمة
إلا بإعادة القطاع السكني لغاياته و مقاصده الاساسية و هي الرعاية السكنية الأسرية ،
و بالتالي ضمان منطقيّة تكاليف القيَم الايجارية للشقق
كما هو ضمان لأسعار متوازنة و طبيعية
للوحدات السكنية .
و علية فإن سلامة و ديمومة توفير الرعاية السكنية للأجيال الحالية و الاجيال القادمة
هو بحماية القطاع السكني من انحرافه عن اهدافه
و غاياته ،
و الدفع بهذا الاتجاه هو معركة المواطن